من يُشكّل وعيك؟ كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل آرائنا عبر المنصات الاجتماعية
| الخوارزميات تُعيد رسم حدود الفكر الإنساني |
![]() |
| من يُشكّل وعيك؟ كيف يعيد الذكاء الاصطناعي تشكيل آرائنا عبر المنصات الاجتماعية |
في عالم يعتمد على النقرات والمشاركات، أصبح الذكاء الاصطناعي اللاعب الخفي الذي يحدد ما نراه، وما نعتقده، بل وحتى ما نؤمن به. فحين تفتح حسابك على أي منصة اجتماعية، لا ترى العالم كما هو، بل كما تريده الخوارزميات أن تراه. إنها عملية إعادة تشكيل وعي جماعي، تُدار من خلف الشاشات بواسطة أكواد لا تعرف الرحمة ولا الحياد.
فهل ما نفكر فيه اليوم هو نتاج عقولنا الحرة، أم هو انعكاس لما تم اختياره لنا بدقة؟
الخوارزمية: المحرر الجديد للعقول
تقوم خوارزميات وسائل التواصل الاجتماعي على مبدأ بسيط: إبقائك متصلاً أطول فترة ممكنة. لكنها لتحقيق ذلك، تتعلم سلوكك، وتفهم تفضيلاتك، ثم تغذيك بالمحتوى الذي يعزز تلك الاتجاهات. بمرور الوقت، يتحول هذا التخصيص إلى فقاعة فكرية، لا ترى فيها إلا من يشبهك ويؤكد قناعاتك.
هكذا تتحول المنصة من فضاءٍ للنقاش إلى صدى لأفكار متكررة، وكلما تفاعلت أكثر، تقلّ احتمالية رؤيتك للرأي الآخر. إنها عملية ناعمة لإعادة هندسة الفكر دون أن تدرك ذلك.
من التنوع إلى التوجيه
كانت وسائل التواصل في بدايتها ساحة مفتوحة للأفكار. اليوم، أصبحت فضاءً موجّهًا نحو تعزيز الانقسام. تُظهر دراسات Stanford Internet Observatory أن المستخدم العادي يتعرض لمحتوى يتوافق مع ميوله بنسبة تزيد عن 85% من مجموع المنشورات التي يراها يوميًا.
بهذه الطريقة، يصبح المستخدم أسيرًا لرؤيته الخاصة، محاصرًا بمحتوى "يشبهه"، حتى يفقد القدرة على التعاطف مع المختلف. ومع الوقت، لا يعود وعيه حرًا، بل مبرمجًا.
الذكاء الاصطناعي كقوة ناعمة جديدة
في الماضي كانت الدول تستخدم الإعلام التقليدي لبناء النفوذ، أما اليوم فالقوة الحقيقية تكمن في الخوارزميات الذكية. تلك التي تحدد ترتيب الأخبار، واختيار المقاطع، وتوقيت الظهور. وهنا يتحول الذكاء الاصطناعي إلى أداة تأثير سياسي واجتماعي عميقة، لا يمكن ملاحظتها بسهولة.
تقرير UNESCO لعام 2025 أشار إلى أن 64% من الشباب في الفئة العمرية بين 18 و25 عامًا يعتمدون على المنصات الاجتماعية كمصدرهم الأول للأخبار، بينما 72% منهم لا يعرفون أن المحتوى الذي يشاهدونه خاضع للتخصيص الخوارزمي.
حين تتحول الآلة إلى صانع رأي عام
الأمر لا يتوقف عند عرض المحتوى فحسب. الذكاء الاصطناعي اليوم يملك القدرة على توليد الرأي ذاته. منصات مثل X (تويتر سابقًا) وThreads بدأت باستخدام نماذج تحليلية تحدد "اتجاه المزاج العام" وتضبط عرض المنشورات تبعًا له.
وبهذا، لم تعد المنصات مجرد مرايا للرأي العام، بل صانعة له. فهي ترفع بعض الأصوات وتخفي أخرى، وتعيد تشكيل الحوار الاجتماعي بما يتماشى مع مصالحها التجارية أو السياسية.
هل نحن أحرار في اختياراتنا؟
السؤال الأخلاقي الجوهري هو: هل نمتلك بعد الآن حرية الاختيار في ما نؤمن به؟ حين تُحدّد الخوارزميات ما يصل إلينا، تصبح حريتنا مجرد وهمٍ منظم. نحن نختار من بين خيارات محددة مسبقًا، ونظن أننا نمارس الإرادة، بينما نحن نسير في مسار مبرمج بعناية.
الفيلسوف الرقمي Tristan Harris وصف هذا الأمر قائلًا: "الذكاء الاصطناعي لا يسرق انتباهك فقط، بل يعيد توجيه إدراكك لما يستحق الانتباه".
الوعي الخوارزمي: تربية جيل تحت المراقبة
الجيل الجديد الذي نشأ على TikTok وYouTube يعيش داخل نظام معرفي تصممه خوارزميات تعلم الآلة. هذه الأنظمة لا تكتفي بالتنبؤ بما يعجب المستخدم، بل تشكل ذوقه من البداية. بمرور السنوات، يصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا خفيًا في بناء الشخصية الفكرية والاجتماعية.
في هذا السياق، يحذر MIT Media Lab من "خطر الوعي المصطنع"، أي الحالة التي يبدأ فيها الإنسان بتبني آراء وتوجهات لم تأتِ من تجربته أو بيئته، بل من نظام تكنولوجي ذكي أعاد تعريف اهتماماته.
هل الحل في الشفافية؟
العديد من الدول والمؤسسات التقنية بدأت بالضغط نحو تشريعات تجبر المنصات على الإفصاح عن كيفية عمل خوارزمياتها. الاتحاد الأوروبي مثلاً أقر في 2025 قانون "الشفافية الرقمية"، الذي يُلزم الشركات الكبرى مثل Meta وGoogle بتوضيح منطق التوصية في محتواها.
لكن الشفافية لا تكفي وحدها. ما لم يمتلك المستخدم وعيًا نقديًا تجاه المحتوى الذي يتلقاه، ستبقى الآلة المتحكم الأول في مجرى تفكيره.
الأسئلة الشائعة (FAQ)
كيف يوجه الذكاء الاصطناعي أفكارنا على وسائل التواصل؟
من خلال خوارزميات التوصية التي تُظهر لنا المحتوى المتوافق مع ميولنا وتخفي عنا الآراء المخالفة.
هل يمكن التخلص من تأثير هذه الخوارزميات؟
ليس بالكامل، لكن يمكن تقليله عبر تنويع مصادر المعلومات، واستخدام وضع "التصفح العشوائي" إن توفر.
هل تعتبر الخوارزميات نوعًا من الرقابة الفكرية؟
نعم، لكنها رقابة غير مباشرة. فهي لا تمنعك من الكلام، بل تحدد لمن يُسمح بسماعك.
هل يمكن اعتبار الذكاء الاصطناعي خطرًا على حرية الفكر؟
يمكن أن يكون كذلك إذا استُخدم للتوجيه الخفي، خصوصًا حين يغيب الوعي النقدي لدى المستخدمين.
كيف نحمي وعينا من التشكيل الخوارزمي؟
بقراءة محتوى من مصادر متنوعة، ومتابعة آراء معارضة عمدًا، وتحديد وقت التصفح الواعي بدل الانجراف الآلي.
المصادر
- UNESCO – "AI and Youth Information Ecosystem", 2025
- Stanford Internet Observatory – "Echo Chambers in Algorithmic Media", 2024
- MIT Media Lab – "The Age of Algorithmic Awareness", 2025
- Tristan Harris, Center for Humane Technology – Public Lecture, 2025
- European Commission – "Digital Transparency and Recommendation Systems Act", 2025
